رد على محاولات التشويه

ثلاثاء, 03/06/2025 - 15:16

ردًّا على محاولاتٍ متكرّرة لتشويه الوعي الجمعي وتوجيه النقاش العام نحو مسارات مغلوطة، أجد أنه من الضروري أن أضع بعض النقاط على الحروف. إنني أتفهّم – وإن بتحفّظ – أن يسعى بعض الفاعلين السياسيين إلى لفت انتباه النظام الحاكم طمعًا في العودة إلى مواقع السلطة، سواء عبر قبة البرلمان أو من خلال التعيين في مناصب تنفيذية. وقد يختار بعضهم لهذا الغرض أسهل السبل: انتقاد الزعيم بيرام الداه اعبيد.
أحيانا تتحول المسألة من مجرد رأي إلى إساءة شخصية بحق الرجل، حينها لايستحق  الأمر ردًّا، لا من الزعيم نفسه ولا من أنصاره، لأن مدرسة بيرام هي مدرسة التسامي، والتسامح، والنضال العنيد القائم على التضحية وتحمل التبعات من سجن وتضييق وتشويه.
غير أن أهمية الرد تكمن حين يتحوّل "التحليل" إلى تضليل، ويُجتزأ الكلام من سياقه ويُلوى عنق العبارة لتُفسر بنوايا مشبوهة، فهنا يكون الصمت تقصيرًا. 
السيد النائب السابق الدكتور بابا ولد بنيوگ،
أشرتم في مقالكم الموسوم بـ "برام الداه اعبيد... ومحاولة تضليل الوعي" إلى أن موريتانيا قاب قوسين أو أدنى من تحول تنموي غير مسبوق، وهو تطلع نشترك فيه معكم وندعو الله تعالى أن يتحقق، إذ لا تتنافى المعارضة الوطنية الصادقة مع الأمنيات الصادقة بازدهار الوطن ورفاه شعبه. بل إن منتهى الولاء للوطن أن يكون الإنسان معارضًا حين يقتضي الضمير ذلك، ومساندًا حين تقتضي ذلك المصلحة الوطنية العليا.
غير أنكم اعتبرام مداخلة النائب والزعيم بيرام الداه اعبيد الأخيرة بأنها جاءت في توقيت "مشحون"، وكأنه يوجد زمن خاص يمنع فيه على المعارضين التعبير عن آرائهم أو مساءلة النظام . وهنا تطرح الأسئلة نفسها بإلحاح:
منذ متى كان لزامًا على زعيم المعارضة المنافحة أن يتحرّى مواقيت بعينها لممارسة دوره الطبيعي في نقد الأوضاع وتقويم السياسات؟ وهل صار واجبًا عليه أن يتبنى خطابًا ناعمًا على شاكلة "المعارضة التوافقية" التي لا تُزعج ولا تُربك؟
الزعيم بيرام ليس من هذا الطراز، ولا يخفي موقفه حين يتعلق الأمر بسلامة الوطن وكرامة المواطن. ومن حقه، بل من واجبه، أن يصدح بصوته كلما رأى تقصيرًا أو خللًا، وفي أي زمان ومكان.
أما اعتراضكم على حديث الزعيم حول الملف الأمني، فهو بدوره يدعو للاستغراب.
كيف يُعقل أن يصمت زعيم معارض وحقوقي مرموق  ناضل طويلاً من أجل الكرامة والعدالة، عن تكرار جرائم القتل العشوائي، أو تنامي السطو المسلح، أو انتشار ظواهر مقلقة كالمخدرات والأدوية المزورة؟ أليس الأمن هو حجر الأساس في أي مشروع تنموي حقيقي؟
وإن كنتم ترون في حديث الزعيم عن "سخط الشارع" مبالغة، فإني أدعوكم – بكل تقدير – إلى جولة بين الأحياء الشعبية، والاستماع إلى صوت الناس الحقيقيين، لا إلى تقارير المنتفعين. ساعتها، لعلّكم تكتشفون أن الرجل لم يعبّر إلا عن نبض الشارع، وأن ما اعتبرتموه "شحنًا" ليس سوى مرآة للواقع.
لفتت انتباهي في مقالتكم عبارة تُفهم منها نبرة تكذيب تجاه الزعيم بيرام الداه اعبيد، وهي نبرة لا تليق بمكانة النقاش العام، ولا بأمثالكم ممن خبروا السياسة ودهاليزها. بل إنني أربأ بكم عن استخدام مفردات كهذه، خاصة حين يكون المخاطَب رجلًا بمكانة الزعيم بيرام، الذي يشهد له الخصم قبل الصديق بأنه أحد أبرز رموز المعارضة الديمقراطية في البلاد.
فالرجل، كما تعلمون، حلّ في المركز الثاني خلال ثلاث استحقاقات رئاسية متتالية، وهو رقم لا يصنعه الإعلام ولا التصفيق، بل تدعمه الجماهير والميادين وصناديق الاقتراع. وإن كانت ملاحظاتكم قد جاءت ضمن إطار النقد، فذلك مشروع، غير أن استخدام قاموس التجريح أو التكذيب قد سبقتكم إليه – للأسف – بعض النخب من سياسيين، وإعلاميين، ومدونين، ورجال أعمال. ولم يكن رد الزعيم عليهم يومًا بالسباب أو التجييش، بل ظل ثابتًا على مبدأ مقارعة الحجة بالحجة، والفكرة بالفكرة.

أما بخصوص ما أشرتم إليه من رفض الزعيم لـ"اليد الممدودة" و"الحوار الشامل"، فاسمحوا لي أن أوضح:
نحن في صفوف المعارضة الجادة – بقيادة الزعيم بيرام – لا نرفض الحوار من حيث المبدأ، بل نطالب به، وندعو إليه. لكننا نبحث عن حوار حقيقي، لا حوارًا صوريًا يُستخدم لتلميع النظام أو امتصاص الغضب الشعبي.
نريد حوارًا تأسيسيًا يعيد رسم العلاقة بين المواطن والدولة على أسس من العدالة والمساواة، حوارًا ينتج عنه نظام حكم راشد، وإعلام حرّ مفتوح للجميع، ولوائح انتخابية نزيهة تُمكّن كل من يحمل وثيقة مدنية من ممارسة حقه الدستوري.
سيدي النائب المحترم،
لقد أثبتت التجربة السياسية في هذا البلد، وبما لا يدع مجالًا للشك، وطنية الزعيم بيرام الداه اعبيد وحرصه الصادق على لحمة الشعب ووحدته الوطنية، مهما اختلفت المواقف وتباينت الاصطفافات. فهو رجل لا تزعجه النجاحات – إن وُجدت – بل تثير فيه مزيدًا من التحدي والإصرار على المضي قدمًا في مشروعه الوطني الجامع، الذي يحمل همّ المهمشين ويؤمن بموريتانيا تتسع لجميع أبنائها.
وفي ختام هذا الرد، اسمح لي أن أستعير من نابليون بونابرت قوله: "أفضل مزايا القادة برودة الأعصاب."
فلا تقلق، سيدي النائب، فالزعيم بيرام لا يضيره أن يُساء إليه، إن كان في تلك الإساءة ما يعود بالنفع على أحد خصومه أو يمهّد له طريق العودة إلى المنابر السياسية.
الزعيم لا يقف عند الأذى الشخصي، لأن بوصلته لم تكن يومًا ذاتية، بل كانت دومًا متجهة نحو الوطن، حيث يكمن الرهان الأكبر والتحدي الأسمى.
بقلم المهندس بابه يعقوب أربيه 
مهندس في مجال المياه والصرف الصحي 
الوتساب : 38422201