
في قلب الشرق الأوسط، تنبض مدن تعكس قيم الكرامة والحرية غير أن الفصول الدامية التي تعيشها غزة تبرز أبعادًا مؤلمة للواقع الإنساني.
هذه البقعة الصغيرة من الأرض ، التي تجمع بين التاريخ والتراث والحضارة وقدسية المسلمين كافة.. تظهر اليوم كساحة للمعاناة والمآسي ، في ظل حصار خانق يفرضه كل من النظام المصري والأردني.
يبدو وكأن العالم قد اختار أن يغض الطرف عن هذه المعاناة ، لكن صرخات الأطفال والنساء في غزة تتجاوز حدود الجغرافيا لتصل إلى قلوب كل ذي ضمير حي.
تعاني غزة من حصار جائر فرضته القوى المحتلة وأزلامها ، لكنه يتغذى أيضًا على صم النظامين المصري والأردني.
فرغم كل المبررات التي يقدمها أولئك المعنيون من مصالح استراتيجية وأمنية، يبقى السؤال الأهم هل ثمن الأمن والسلم يدفع من دماء الأطفال وكرامة الإنسانية ؟ هذه السياسات المحاصرة تسهم في خلق بيئة من الإبادة الجماعية والتجويع والعطش التي تعاني منها غزة يوما بعد يوم.
يعتبر الجيش وسيلة لحماية الوطن ، لكن عندما يستخدم كأداة لقمع الشعوب وإبادة الإنسانية يتحول إلى عدو للشعب نفسه. فالأطفال الذين يستخدمون كرات من الورد في جنة الطفولة يحاصرهم الخوف والموت كل يوم ، بينما تغض العيون النظر عن موتهم البطيء.
تنام غزة على أنين الأمهات الثكلى ، وتصحو على صرخات الأطفال الذين يشعرون بالعطش والجوع في عالم مليء بالوفرة.
إننا نحتاج إلى إعادة التفكير في كيفية التعاطي مع واقع أليم كهذا.. إذ كيف يمكن لأمتين شقيقتين أن تتجاهلا معاناة إنسانية محضة تحدث على بعد أمتار من حدودهما؟ إن هذا الحصار والعمل الشنيع لا يعتبر مجرد أزمة سياسية، بل هو جريمة بحق الإنسانية.
ولتكن هناك أهداف سياسية، لكن في داخلنا جميعاً، يجب أن تنصرف هذه الأهداف إلى حماية الإنسان وليس قتله.
عند النظر إلى آثار هذا الحصار يصبح جليا أن الفئات الأكثر معاناة هم الأطفال والنساء ، الذين لا ذنب لهم إلا ولادتهم في مكان يغمره الألم . فحلمهم في العيش بكرامة وحرية يتحطم كل يوم وبدلاً من أن تكون لديهم فرص حياة أفضل، يصبح لديهم حلم في الحيات والخبز فقط.. بل أصبح الخوف الدائم يلازم قلوبهم من المجهول.
إن النداء الإنساني الذي نوجهه إلى العالم هو ضرورة التوقف عن العقلية التي تبرر القتل وتدعم الحصار.
إننا نحتاج إلى مصارحة أنفسنا بأن الصمت عن هذه الجرائم يساهم في تفاقم المعاناة . العالم نسي غزة، لكن غزة لا تنسى. لا تنسى تلك اللحظات التي جمعت العائلات حول مائدة إفطار في رمضان، والتي تحولت إلى لحظات فقد وألم بفعل القصف وخراب المنازل.
لا تنسى الفرح الذي كان يملأ أفئدة الأطفال وهم يتلقون التعليم في المدرسة، تلك المدرسة التي تحولت إلى أنقاض.
يجب أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته ويضغط على الأنظمة المتواطئة في هذا الحصار من عرب وغيرهم . كما يجب أن يكون لدينا جميعًا الوعي الكامل بأن حقوق الإنسان لا تقبل القسمة. لا يمكننا أن نقدم أعذارًا لقمع شعوب كريمة.
إن الأعذار التي تسرد من قبل الأنظمة المصرية والأردنية ما هي إلا غطاء لتبرير انتهاكات جسيمة.
نحتاج إلى تاكيد ضرورة الوصول الإنساني إلى غزة. الإغاثات يجب أن تكون متاحة دون عوائق وبحاجة إلى حماية حقوق الأطفال والنساء بشكل خاص. يجب أن يُسمح لهم بالتعبير عن آلامهم وآمالهم دون خوف من الانتقام. كما يتطلب الأمر رؤية عالمية تعيد للإنسانية معناها فغزة ليست مجرد نقطة على الخريطة، بل هي رمز للكرامة والصمود.
إن الحرية لا تعني فقط التحرر من الاحتلال ، بل تعني أيضًا القدرة على العيش بكرامة. لا يمكن أن نتغاضى عن الحصار الذي يجرد الإنسانية من أبسط حقوقها، وعلينا كأفراد وشعوب أن نتكاتف ونقف مع غزة ومع كل من يقف ضد الظلم.
يجب أن نجعل صوتنا جزءًا من صدى صرخات غزة. يجب علينا أن نتكلم، أن نكتب أن نحارب بالكلمة والفعل لننشر الوعي وندعم الحق.
عندما نقول "أوقفوا الحصار"، فإننا لا نطالب فقط بإنهاء قسوة الجدران، بل نطالب أيضًا بفتح أبواب الأمل. الأمل في غد أفضل مستقبل يُعيد للأطفال والنساء كرامتهم، مستقبل يتمكن فيه الإنسان من الوصول إلى الطعام والمياه والدواء بلا قيد.
في النهاية، سنظل نرفع أصواتنا تضامنا مع ضحايا الحصار، ولن نسمح للنسيان أن يعم علينا. غزة صامدة، وكل صرخة إنسانية هي علامة من علامات النضال شجبها للحصار القاتل. يجب أن نستمر في السعي لتحقيق العدالة والسلام، فالعالم يحتاج إلى سماع قصة غزة بكل آلامها وآمالها، لأنها في النهاية قصة الإنسانية جمعاء