
تزايدت المعاناة الإنسانية في غزة ، حيثتعكس الأوضاع هناك تحولات مؤلمة فيالجغرافيا السياسية للمنطقة. إن ما يحدث فيغزة من جرائم حرب ، يتطلب من الجميعالوقوف والتأمل في الأسباب التي قد تبرر هذاالعنف في الوقت الذي يسقط فيه الضحايا،تنشغل بعض الأبواق الإعلامية في توجيهالأنظار نحو قضايا ثانوية ، مما يثيرتساؤلات عديدة حول أولويات هذه الأصوات.
يعتبر الهجوم على غزة جزءاً من صراع أوسعوأكثر تعقيداً ، يتداخل فيه العنف السياسيمع مظاهر ثقافية ودينية هنا نجد أن الأنظمةالعربية وبعض القوى الإقليمية تحاولاستغلال الوضع لمصلحتها ، مجندة تعريفاتمذهبية لدعم مواقفها السياسية. إن توظيفالدين كمبرر للعدوان أو كوسيلة لتأجيجالخلافات بين المذاهب ، تقلل من إنسانيةالقضية الفلسطينية وتفقدها بعدها الأخلاقي.
إن صرخات الضمير الإنساني تتعالى ، لكنتلك الأصوات يبدو أنها تخفت أمام أسطوانةالتحريض السياسي والمذهبي.
تسعى بعض الأطراف إلى نقل بؤرة الاهتماممن مأساة إنسانية حقيقية وملموسة إلىخلافات مذهبية قديمة تتأجج في أوقاتالأزمات. هذا التشتيت ممنهج ويهدف بشكلأو بآخر، إلى تبرير أعمال لا إنسانية وتخفيفالضغوط عن الأنظمة المتورطة ، على حسابالمدنيين الذين يعانون.
إن الهجمات على غزة لا تتعلق فقط بالصراعالإسرائيلي الفلسطيني ، بل هي جزء منالصورة الأوسع التي تشمل الصراعاتالإقليمية والأزمات السياسية. لكن الأهم ، هوكيفية معالجة الضمير الإنساني لتلك الأزمات. هل نحن فعلاً بصدد جعل المذهب الشيعي أوالسني مبرراً لجرائم الحرب؟ أم أننا بحاجةإلى تجاوز هذه الخلافات والبحث عن أرضيةمشتركة تدعو للسلام والأمن والإستقرارللجميع ؟
إن الضحايا في غزة هم من جميع الخلفياتوالديانات ، ويجب أن نتذكر أن الإنسانيةتتجاوز المذاهب والعقائد. فكافة الأديان تدعوإلى الرحمة والسلام ، ويلزم على المجتمعالدولي أن يواجه مسئولياته بدلاً من اتخاذجوانب كوسيلة لتبرير التوحش إن العقولالمدبرة لهذه الصراعات يجب أن تحاسب ، وأنيكون هناك دعم فعّال للجهود الإنسانية التيتسعى لتخفيف المعاناة.
في ختام هذه القراءة ، نؤكد على ضرورةالتمسك بالإنسانية كقيمة أساسية ، أكثر منالانقسامات الدينية والسياسية.
إن التحديات التي تواجهها المنطقة تعكسانقسامًا عميقًا في الفكر والممارسة ، ممايتطلب من جميع الأطراف المعنية التفكيربعمق في العواقب الأخلاقية والسياسيةلأفعالهم.
يجب أن تكون هناك دعوات موحدة للسلام ،تنبع من رغبة حقيقية في إنهاء النزاعاتواستعادة الأمل. بدلاً من تغذية الخلافاتالمذهبية ، ينبغي التركيز على القواسمالمشتركة التي تجمع الناس على اختلافدياناتهم ومعتقداتهم.
الجهود الإنسانية في غزة تحتاج إلى دعممستمر من المجتمع الدولي. فبدلا منالاستسلام للحديث عن العداء أو الخلافاتيجب أن نرى تحركات ملموسة تهدف إلىحماية المدنيين وتقديم المساعدة لهم. تأتيالمساعدات الإنسانية كمنارة أمل ، ينبغي علىالجميع ، دولاً ومنظمات ، أن يسعون جاهدينلوضع حد لمعاناة الأبرياء.
عندما نوجه أصواتنا ضد الظلم ، يجب أنتكون معركة الإنسانية هي المعركة الرئيسية. إن تحديد أي مذهب أو دين كمعيار للتمييز لنيؤدي إلا إلى تفاقم الأزمات بدلاً من حلها.
كما أن التاريخ أثبت مرارا وتكرارًا ، أنالخلافات المذهبية لا تثمر إلا بؤسا وصراعًا،بينما وحدة الصف الإنساني وقيم العدالةوالسلام تكفلان تحقيق الأمن والاستقرار.
في النهاية ، فإن ما يحدث في غزة ليس مجردقضية سياسية أو صراع متبادل بين الأديانوالمذاهب، بل هو نداء إنساني يدعونا إلىالتكاتف والوقوف في وجه الظلم. إننا نعيشفي عالم مترابط، فالازدهار المستدام يتطلبجهودًا جماعية تهدف إلى تعزيز التسامحوالتفاهم.
لذا فإن مسؤوليتنا كأفراد ومجتمعات تتجاوزالحدود السياسية والدينية ، بحيث يتعينعلينا أن نتبنى التفكير الإنساني أولاً وأخيرًا،ونضع حدا لمعاناة الآخرين ، لنبني عالماًأفضل مستقبلاً، يسوده الأمن السلام ويعم الخير على الجميع.
الكاتب الصحفي / أحمد يحياوي