
في خضم التغيرات السياسية والاقتصادية التي تشهدها المنطقة العربية ، برزت دولة الإمارات العربية المتحدة كلاعب رئيسي ، غير أن دورها لم يخلُ من الشبهات والانتقادات.
إذ ينظر إلى الإمارات في بعض الأوساط على أنها قوة تلعب أدوارًا خبيثة في المنطقة ، مستغلةً علاقاتها مع دول كبرى مثل إسرائيل والولايات المتحدة ، من أجل تحقيق مصالحها الخاصة ، بما يتعارض مع مبادئ التضامن العربي الإسلامي.
تتجلى واحدة من أبرز تلك الأدوار في سعي الإمارات للنفوذ في الساحل الإفريقي ، حيث يقال إن دخولها إلى هذه المنطقة قد جاء بهدف حصار الجزائر، البلاد التي تعد واحدة من رموز الاستقلال العربي تعكس هذه السياسات ممارسات إمبريالية تسعى إلى تفتيت الوحدة العربية وزعزعة الاستقرار في الدول الأفريقية مما يسهل على القوى الكبرى الهيمنة على المنطقة.
عدم الاستقرار الذي تسببه هذه السياسات يتعدى الفوضى السياسية إلى الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. فقد انخرطت الإمارات بشكل كبير في دعم بعض الفصائل والإنقلابيين والأحزاب ، مما زاد من التوترات الداخلية في بعض البلدان وأدى إلى صراعات دموية.
هذه التدخلات لا تُظهر فقط غياب الشرف والمبادئ ، بل تعكس أيضًا استمرار الدور الرجعي الذي يتبناه بعض الحكام في المنطقة ، حيث يُضحَى بالكرامة العربية على مذبح المصالح الضيقة.
تعكس العلاقات الإماراتية مع إسرائيل ، خاصة بعد اتفاقيات التطبيع ، تحولا جوهريا في مواقف بعض الدول العربية تجاه القضية الفلسطينية. فبدلاً من دعم الحقوق الفلسطينية أصبح هناك تمويل وتعاون مع من يعتبر عدوا تاريخيا للعرب.
هذه السياسات المفروضة تحت الضغط الأجنبي تدل على غياب الرؤية العربية الشاملة التي تتطلع إلى بناء أمة قوية قادرة على مواجهة التحديات والمخاطر.
إن ما يدعو إلى القلق هو أن هذه الأدوار الإماراتية تأتي في سياق أوسع من التعاون مع قوى الاستعمار الحديث. فبدلاً من الوقوف في صف المستضعفين والمظلومين، نجد أن هناك انحيازا واضحًا للمصالح الغربية، مما يضعف من قدرة الدول العربية على التصدي لأية محاولات للتدخل الخارجي.
تتطلب اللحظة الراهنة من الدول العربية تجاوز الخلافات الداخلية والتحلي بروح التضامن لمواجهة هذه السياسات الخبيثة. فإذا استمرت الإمارات في السير على هذا النهج ، فإنها لن تفقد فقط احترام الدول العربية ، بل أيضًا ستبقى عالقة في دائرة من العزلة السياسية والصراعات الداخلية التي تهدد مستقبلها.
وفي الختام ، ينبغي أن نتذكرما تخفيه الإمارات وأثره على العالم العربي في ظل السياسات المعلنة والغير معلنة من ممارسات خفية ، فقد تحمل الإمارات معها العديد من الأبعاد التي قد تكون مغفلة عن الأضواء.
فإلى جانب التدخلات السياسية تعتبر الإمارات مركزا للعديد من الأنشطة الاقتصادية والتجارية التي قد تعتبر معادية لاقتصادات الدول العربية الأخرى.
تظهر الاستثمارات الإماراتية في العديد من الدول الإفريقية والمناطق العربية الغير بريئة ، رغبة في التوسع الإقليمي ، لكنها في كثير من الأحيان تأتي على حساب دعم المشاريع المحلية.
كما يزيد الانفتاح التجاري مع القوى الكبرى ، وعلى رأسها إسرائيل ، من تعميق الهوة الاقتصادية بين الدول العربية ، حيث تفضل الشركات الكبرى الاستفادة من الموارد المحلية دون تطويرها.
علاوة على ذلك ، يُظهر دور الإمارات في الأزمات الإنسانية مثل الأوضاع في اليمن، مدى تعقيد الوضع. فبينما تظهر الإمارات وجها إنسانيًا من خلال تقديم المعونات، إلاّ أن هناك من يرى بأن مشاركتها في الصراع تعتبر استغلالاً للأزمات من أجل توسيع نفوذها العسكري والسياسي.
هذا، بالطبع ، جاء كجزء من استراتيجيتها الأوسع للسيطرة على الممرات البحرية والاستراتيجية.
ومن ناحية أخرى ، يُخشى من أن استخدام الإمارات للتكنولوجيا الحديثة ، مثل الذكاء الاصطناعي والمراقبة الرقمية ، قد يستخدم الأغراض قمعية داخل حدودها. حيث تعزز هذه التقنيات من قدرة النظام على قمع أي معارضة أو احتجاج ، مما يبرز سلسلة من المفارقات حيث تتحدث الإمارات عن الابتكار في حين تعزز من رقابة صارمة على المواطنين.
في النهاية، يتطلب الوضع الراهن في العالم العربي التفاتة جادة من جميع الأنظمة العربية لتحقيق الاستقرار والتعاون. فالإمارات ليست فقط لاعبا اقتصاديًا أو سياسيًا مهما ، بل هي جزء من صورة أكبر تتعلق بمستقبل الأمة.
مواجهة الظروف الصعبة الحالية تتطلب الوعي والتحليل الجيد والقدرة على اتخاذ مواقف جماعية جادة تجاه التحديات التي تواجه المنطقة.
يتوجب على القادة العرب إدراك أن الوقت قد حان للتخلي عن المصالح الضيقة والتوجه نحو حماية الهوية العربية والمبادئ المشتركة. إن بناء علاقة قائمة على الثقة والتضامن يمكن أن يكون بمثابة رد قوي على الأدوار الخبيثة التي تعكسها السياسات الإماراتية في المنطقة.
إن ما تخفيه الإمارات من ورائها هو دعوة لجميع الدول العربية للتفكر في مساراتها وأهدافها الحقيقية، والسعي نحو تحقيق التوافق والاستقرار بما يضمن مستقبل أفضل للأجيال القادمة.