
وهي في الاحتفال باليوم الثاني عشر من ربيع الأول لشيخنا العلامة الشيخ الفخامة ولد الشيخ سيديا أبقاه الله تعـٰلى ذخرا للإسلام وللمسلمين مثالا للأخلاق النيرة والأقوال الصائبة والأفعال المستنيرة.
(وهذا نص النصيحة)
بسم الله الحمد للهْ، والصلاة والسلام على رسول اللهْ، وعلى آله وصحبه ومن والاهْ.
نصيحة موجهة للجميعْ، لتجنب التنابز في شهر ربيعْ.
لا أرضى لأهل العلم وطُلّابِه أن تكون بينهم خصومات واتهامات وتنابز كلما أطلّ ربيع الأول.
فالاحتفال بالمولد النبوي الشريف في شهر أو يوم مُعَيّنَيْنِ، مسألة ظهرت بعد القرون المزكاة ، ولن يرتفع خلافها أبدًا. لذا على الفريقين، المانعين والمجيزين، أن يحترم بعضهم بعضًا. وليعلم الذين تركوا الاحتفال في هذا الشهر أنهم ما تركوه إلا حبًا للنبي صلى الله عليه وسلم واقتداءً بأصحابه وتابعيه الذين لم يخلّدوه، فهم يرون أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم إنما تكون باتباع سنته وسنة خلفائه الراشدين المهديين الذين أمر صلى الله عليه وسلم باتباعهم.
وعلى المجيزين أن يعلموا أنهم ما أقدموا على هذا الاحتفال إلا بدافع المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مقتدين في ذلك بعلماء يرجع إليهم الناس في الفتوى في عصورهم، وإن كانوا بعد القرون المزكاة. فالكل، ولله الحمد، ذو نية صالحة ومحبة صادقة للنبي صلى الله عليه وسلم.
أما اتهام بعض المجيزين لإخوانهم الذين لم يحيوا الثاني عشر من ربيع الأول، بأنهم مقصرون في حب النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا من أعظم التهم، لأن التقصير في محبته صلى الله عليه وسلم يخرج من الإيمان. فقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين».
وكذلك في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما…» الحديث.
كما لا يجوز للمتوقفين أو المانعين من إحياء هذا اليوم أن يرموا إخوانهم بالتكفير و التضليل و التبديع. فقد ثبت في الصحيحين وأبي داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجل قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما». وفي رواية لأبي داود: «أيما رجل مسلم أَكْفَرَ رجلًا مسلمًا، فإن كان كافرا وإلا كان هو الكافر ».
كما يجب على الفريقين أن يتنزها عن السب لأنه من الفسق، فقد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر».
وهناك خَمسُ مسلّمات تقرّب بين الطرفين:
أولها ـ اتفاق الطرفين على أن هذا الاحتفال ليس بواجب.
ثانيها ـ اتفاقهما على أنه لم يكن معروفًا في القرون المزكاة.
ثالثها ـ اتفاقهما أن الأئمة الأربعة الذين تدور عليهم الفتوى، وهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وكبار أصحابهم، قد ماتوا قبل ظهور هذا الاحتفال، فلم يوجد عنهم ولا عن كبار تلاميذهم بحث في شأنه، ومن ثَمَّ خرج المتقدّمون من أهل المذاهب الأربعة من دائرة هذا الخلاف.
رابعهاـ اتفاقهما على أن يوم المولد لم يقع عليه إجماع محدد، إذ اختلفت فيه الأقوال، فبعضهم يراه في رمضان، وآخرون في رجب، وغيرهم في ربيع الآخر، وإن كان الجمهور على أنه في ربيع الأول مع خلافهم على اليوم بعينه.
خامسها ـ اتفاقهما أنه لم يقع في عصر من الأعصار اتفاق بين المؤيدين للاحتفال على عبادة معينة في هذا اليوم، ولم يقيموا لها دليلًا تُستنبط منه.
فهذه المُسَلَّمات الخمس أقل ما فيها التماسُ البعض للبعض أحسنَ المخارج .
أما ما يستدل به بعض المنتسبين للعلم من المجيزين للاحتفال باليوم الثاني عشر من ربيع الأول، من أنهم لم يسمعوا منتقِدا يتحدث عن الأعياد المحدَثة: مثل عيد الشجرة وعيد الأم وعيد العمال وعيد المرأة وأمثال هذه المناسبات، فهذا مما لا يُعتمد عليه ولا يصلح للاستدلال هنا، لأنها أمور دنيوية بحتة تافهة، لا صلة لها بأبواب التعبد المتعلقة بحبيبنا وشافعنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا بعظمته ومنزلته الرفيعة .
ويجب التنويه إلى أن الطرفين ينبغي أن يُدينا كل ما يُمارَس عند بعض المجيزين للاحتفال من اختلاط محرم بين الأجانب ، وألفاظ لا ترقى إلى المستوى الشرعي، وأذكار غير واردة، وإضاعة الوقت بأنواع اللهو والتسلية، فهذا كله لا يمت للحق بصلة ولا يليق بما هو مقدس.
(فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)
فعلى كل مسلم أن ينصف أخاه، ويعلم أنه ليس بأحق منه بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم.
نسأل الله تعـٰلى أن يرزقنا محبة النبي صلى الله عليه وسلم وفق ما أمرنا به واتباعَه في الحركات والسكنات ، وأن يوفق المسلمين في كل زمان ومكان، وأن يتولى أمرهم، ويجمع كلمتهم على ما يرضيه سبحانه.
وكتب الشيخ سيدي محمد الملقب الفخامة ولد الشيخ سيدي
بتاريخ الثلاثاء 3 ربيع الأول 1447 هجريا
الموافق 26 أغسطس 2025 ميلاديا
العاصمة القطرية الدوحة