
تشهد الساحة الموريتانية هذه الأيام تداولاً واسعاً لأحاديث تشير إلى وجود رغبة داخل بعض دوائر الدولة في إطلاق سراح الرئيس السابق، رغم الحكم القضائي الصادر بحقه بتهمة الاختلاس واستغلال النفوذ. ويبدو أن الملف، الذي ظن كثيرون أنه أُغلق بإدانة قضائية واضحة، قد عاد ليطفو على سطح النقاش الوطني مجددًا، ولكن هذه المرة من زاوية سياسية لا قانونية.
تقول مصادر متطابقة إن مقترحًا غير رسمي طُرح خلال الأسابيع الأخيرة يقضي بإطلاق سراح الرئيس السابق ونفيه إلى إحدى دول الخليج، كصيغة “تسوية هادئة” ترضي جميع الأطراف وتطوي صفحة التوتر. غير أن المعضلة الكبرى – بحسب تلك التسريبات – تكمن في رفض الرئيس السابق لأي شرط يمنعه من العودة إلى البلاد متى شاء، معتبراً ذلك حقًا طبيعيًا لا يمكن التنازل عنه، وهو ما أدى إلى تأخر أي قرار نهائي بخصوص الإفراج عنه.
وبين من يرى في الخطوة بادرة إنسانية وسياسية ضرورية لخفض منسوب التوتر، ومن يعتبرها تراجعًا عن مبدأ سيادة القانون، يجد النظام نفسه أمام معادلة معقدة: كيف يمكن للدولة أن تحافظ على هيبتها وعدالتها من جهة، وأن تُبقي المشهد الداخلي متماسكًا من جهة أخرى؟
المراقبون يرون أن ما يحدث اليوم ليس مجرد نقاش حول شخص بعينه، بل هو صراع بين رؤيتين داخل مؤسسات الدولة:
• رؤية إصلاحية تعتبر أن العدالة اكتملت بالحكم القضائي، وأن التسويات السياسية أحيانًا تخدم الاستقرار أكثر من العقوبات الممتدة.
• ورؤية مبدئية ترى أن أي استثناء أو تسوية خارج الإطار القضائي سيكون طعنة في مصداقية الدولة وجهودها في محاربة الفساد.
وفي خضم هذا التجاذب، يظل الملف رهين تقدير المصلحة العليا للبلاد، وسط ظرف سياسي حساس تستعد فيه موريتانيا لحوار وطني وتواجه تحديات أمنية واقتصادية في محيط إقليمي مضطرب.
إن قضية الرئيس السابق لم تعد مجرد ملف قضائي، بل تحولت إلى مؤشر لمدى استقلالية القرار السياسي والقضائي في الدولة، وإلى اختبار حقيقي لقدرة النظام على الموازنة بين العدالة والاستقرار، وبين محاسبة الماضي وبناء المستقبل.
فهل ستنتصر الدولة لمبدأ العدالة الصارمة؟ أم ستختار منطق التسويات الهادئة؟
الأسابيع القادمة وحدها كفيلة بالإجابة
بقلم: الدكتور يوسف حرمة بابانه – سياسي موريتاني

.jpeg)
.jpeg)


.gif)
