في ذكرى رحيله الثامنة: اعلي ولد محمد فال كما عرفته عن قرب

ثلاثاء, 06/05/2025 - 12:29

في مثل هذا اليوم، تمرّ الذكرى الثامنة لرحيل رئيس الدولة الأسبق، وابن موريتانيا البار، الفقيد اعلي ولد محمد فال، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. لقد كرّس حياته لخدمة الوطن والدفاع عن ثوابته، وظلّ نموذجًا في الإخلاص والتفاني. وقد شاء الله أن أتشرف بالعمل معه مستشارًا إعلاميًا لمدة خمس سنوات، كانت مليئة بالدروس والعبر، ومكنتني من التعرّف عن قرب على رجل قلّ نظيره، في صدقه، ونبله، وحكمته.

 

ولن أحدثكم هذه المرة عن إنجازات المرحوم المرتبطة بتسليم السلطة طوعًا لرئيس منتخب، بعد وضع الأسس الصلبة لإقامة نظام ديمقراطي حقيقي بمشاركة جميع الموريتانيين، والتي من أهمها الأقفال الدستورية المتعلقة بالمأموريات الرئاسية. كما لن أتطرق إلى قيادته الحكيمة لسفينة البلاد بهدوء وسكينة إلى برّ الأمان، في ظرفية سياسية خاصة تميّزت باحتقان شديد وتكرار للمحاولات الانقلابية. ولن أتناول أيضًا قراره التاريخي بزيادة أجور العمال الموريتانيين بنسبة 50%، لأول مرة في تاريخ البلاد وربما آخرها.

 

بل سأكشف لكم جوانب فطرية وإنسانية أعجبتني في شخصية الفقيد، وهي جوانب قد لا يعرفها الكثيرون، لبعدها عن السياسة والتسييس.

 

خلال لقاءاتي اليومية مع المرحوم اعلي، كانت تتأكد لديّ، بشكل قاطع، المقولة الشهرية التي تقول إن الرئيس بمثابة الأب للأمة كلها، يسهر على مصالحها ويدرأ عنها المفاسد يفرح  لخيرها ويحزن لشرها حيث كنت أعرض عليه يوميًا التقرير الإعلامي الذي أعدّه عن الساحة الوطنية ومجريات الأحداث خلال  كل 24 ساعة، ولاحظت كيف أن ملامحه تتغير وتبدو عليه علامات الغضب والانزعاج مع كل خبر سيئ، بينما تتهلل أساريره كلما تضمن التقرير أخبارًا إيجابية تحقق مصالح للبلد، سواء تعلق الأمر باكتشافات معدنية جديدة، أو ارتفاع أسعار الحديد عالميًا، أو نجاح دبلوماسي في المحافل الدولية، وغير ذلك.

 

حدثته مرة عن الأسئلة الكثيرة التي تردني يوميا حول موقفه من الانتخابات الرئاسية المقبلة وقتها 2019 هل سيترشح؟ أم سيدعم مرشحا من المعارضة؟ أم أنه سيقاطع؟ فلم يكن رده خارجا عن السياق الذي ألفته عليه، حيث قال بالحرف: "إنني أعتزم اتخاذ الموقف الذي تقتضيه المصلحة الوطنية أيا كان".

 

أعجبني أيضًا تعلق المرحوم اعلي الشديد بموريتانيا الأعماق إلى حد العشق. فرغم أنه قضى شبابه في بلد الأنوار (فرنسا)، حيث التحق للدراسة بعد حصوله على شهادة ختم الدروس الابتدائية سنة 1965، وأكمل فيها تعليمه الثانوي، ورغم أن تجربته الوظيفية وفرت له اطلاعًا واسعًا على مختلف بلدان العالم، فقد ظلّ وفيًا لرمال وصحاري موريتانيا، ملمًّا بتضاريسها ومناخها. وكان يستفسر دائما عند تلقيه أي دعوة خارجية أو سفر رسمي عن مدة الغياب، لأنه لا يحب الابتعاد عن الوطن. فهو يفضّل رياح السموم تحت خيمة في البادية الموريتانية على فنادق الخمس نجوم وبرودة المكيفات في الخارج. وقد ظل كذلك إلى أن لبى نداء ربه، وهو في أقصى صحاري تيرس الزمور. تغمده الله بواسع رحمته.

 

كنت آخر من اتصل به، رحمه الله، عبر هاتفه الخلوي قبل رحيله بساعات، حيث أطلعته على تفاصيل موجة الشغب والفوضى التي اجتاحت العاصمة نواكشوط يومها احتجاجًا على قانون السير، والتي حاول البعض إعطاءها طابعًا عنصريًا. حيث أبدى امتعاضه الشديد من مستوى التدهور الذي بلغته الأمور، وعبّر، بحسرة، عن خوفه على مستقبل موريتانيا.

امربيه ولد الديد