ما الذي أشكل للزعيم في حوار التظام ؟

جمعة, 04/07/2025 - 16:07

قال الجاحظ ذات يوم، في ظل خلافة المأمون: "لكل مقامٍ مقال"، وهي عبارة لا تزال تصلح مفتاحًا لفهم التوازن بين الحال والمقال، بين الظرف والبيان، بين المنبر والسياق. ولم تكن تلك سوى إحدى لآلئ العقل العباسي حين كان شارع الوراقين يعجّ بالنسخ والتأويل، ودار الحكمة تضجّ بالفكر والنقاش.
وقد اختار الزعيم بيرام الداه أعبيد، أن يجعل من هذه القاعدة بوصلة لخطابه وتفاعله. ففي ميادين الاحتجاج، يتكلم بحرارة مارتن لوثر كينغ، وفي قاعة البرلمان يتقمص دور المشرّع الغيور على ناخبيه، لا يخشى السلطة التنفيذية ولا يراوغ. أما في الصالونات الهادئة، حين يتخفف من صخب الجموع، يستدعي رصانة المؤرخ، ودهاء السياسي، وحنكة من خبر دهاليز السلطة ومكائدها.
 استمعت اليوم لصوتياتٍ للزعيم وهو يخوض نقاشًا مع أحد أصدقائه ، حول مبادرة الحوار التي أعلنها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
وفي تلك التسجيلات، استعاد الزعيم، بوضوحٍ ودقة، مشهدًا من أشد فصول القرن العشرين اضطرامًا: لحظة توبيخ جوزيف ستالين لقادته، حين حذّروه من نوايا هتلر بغزو روسيا. كان ستالين، ككل رجال الدولة والحرب يرفض التصديق بأن هيتلر سيحارب في الجبهة الروسية، بينما لا يزال يتخبط في رماد الجبهة البريطانية. 
الزعيم  بيرامه، وهو يروي هذه القصة، لم يكن يرويها من باب الحكاية المجردة، بل لكي يستنطقها بمهارة العارف، ويسقطها على الواقع السياسي المحلي، فيراها مرآة تعكس مفارقة غريبة: رئيس يدعو للتهدئة، بينما ممارساته تتناقض مع مفاهيمها الأساسية.
ثم يرفع الزعيم علامة استفهام كبيرة في وجه السلطة:
كيف لدعوات التهدئة أن تصحبها مصادرة لحق المعارضة في الإعلام العمومي؟
كيف تُسنّ القوانين التي تقيد الحريات، كقانون الرموز، في وقت يُفترض فيه أن تُفتح فيه نوافذ التعبير؟
وكيف يتماشى خطاب التهدئة مع تعديل للقانون الداخلي  للبرلمان، يعطل النواب ويطمئن الوزراء؟
وهكذا ينسج الزعيم خيطًا آخر من التساؤل:
إذا كان الرئيس في ولايته الأولى، وقد انتُخب بنسبة 51%، قد رفض الحوار، مبررًا ذلك بانعدام الموجبات؛
فما الذي استجد اليوم؟
أليس في ولايته الثانية قد نال نسبة أعلى؟
ألم يُنفذ برنامجه التنموي؟ ألم تقضِ "تآزر" على الفقر؟ ووكالة التشغيل على البطالة ؟ 
ألم تدخل أغلب أطياف المعارضة تحت مظلة الرئيس ونظامه  باستثناء بيرام وأنصاره؟
فماذا جد، بعد ذلك ليصبح الحوار ضرورة الآن؟
هكذا يتساءل الزعيم، لا عن مكيدة، بل عن منطق غائب، وتناقض يبعث على الريبة.
وفي ذات الصوتيات ، يردّ الزعيم على  مخاطبه، الذي نعته بـ"الرئيس"، بالقول إن قانون الأحزاب السابق، رغم ما شابه من نقائص، ورغم المزاجية التي كانت تمنح بها التراخيص لأحزاب المنشَقين ومهتزّي الولاء من أبناء "إيرا"، فإنه كان، على علّاته، أفضل بكثير من القانون الجديد، الذي لا يفتح باب التعددية إلا لحزب الإنصاف، ليُنتج عن تزكياته أحزابًا صغيرة يقودها أفراد من شريحة بعينها.
ولأن التزكيات محدودة،  فقد تجمد المشهد عند أربعة عشر حزبًا، وتاهت البقية في العراء السياسي إلا حزب "الرك"، الذي يبدو أن التزكيات تنساب نحوه كما يشتهي، "ما شاء الله".
وفي نبرة تنضح بالفلسفة، حيث تلد الأسئلة أخواتها، يختتم الزعيم حديثه : أن دعوات الحوار، التي يطلقها الرئيس، ربما لا تهدف إلى حوار فعلي، بقدر ما تخفي أجندة أخرى... لأن الحوار، كما يفهمه الزعيم  بيرامه، ليس لافتة تُرفع، بل مائدة تُبسط فوقها الخلافات بصدق، وتُحلّ عليها العُقد، لنمضي بوطنٍ أنهكته المراوغة، نحو إصلاح حقيقي، ونماء مستحق.
بقلم بابه ولد يعقوب ولد أربيه 
مهندس في مجال المياه والصرف الصحي 
الوتساب : 38422201