غزة: الحكاية الي لم تعد تروى / الكاتب الصحفي أحمد يحياوي

اثنين, 07/07/2025 - 15:59

 

 لم تعد واردة على الصفحات ولا عبر الشاشات ، حل محلها السلام الابراهيمي الذيتتبناه اسرائيل وتوقع عليه العرب شبه إجماع تقريبا.. والحجة هي: " إيران "

   هل برأيكم هذه الاتفاقية حقا ستصنع السلام في منطقة الشرق الأوسط وتنهي الصراع القائم ويتم هل الدولتين ، ويعم بموجبها الهدوء والأمن والسلام ، أم مجرد غطاء لتفتيت المنطقة والهيمنة والتوسع والقضاء على مقدرات الشعوب ووحدتها؟.

 

مؤلم حقا أن هناك زاوية مظلمة من هذا العالم ، تواصل كتابة قصتها في صمت، بينما تنشغل الأعين بأحداث أخرى.

 غزة ، هذه البقعة الصغيرة المحاصرة ، تعيش في طيات صفحات المعاناة لكنها للأسف لم تعد تستقطب اهتمام العالم كما ينبغي.. القتل الجوع ، الحسرة ، الألم والقهر جميعها مشاعر تتردد أصداؤها في شوارع غزة الجريحة على حساب عروش الحكام وكروشها ، لكن يبدو أن كلمات الكتاب والمفكرين قد جفت في الحديث عنها.

في الليل ، عندما يسود الهدوء الساكن، تنفجر القنابل عادة 100 شهيد يوميًا، أرغموا على مغادرة الحياة دون وداع ، دون أسباب  حقيقية تفسر هذا الهول ، ودون أن تترك الأقدار لهم فرصة لرفع أصواتهم أو سرد حكاياتهم.

 فهم في لحظة واحدة يصبحون مجرد أرقام ، تضاف إلى قائمة طويلة من الشهداء.

لكنهم ليسوا أرقامًا ، إنما هم بشر، لهم أحلام وآمال ، ولهم عائلات تنتظر عودتهم. كانت غزة تمثل رمزا للصمود ، مكانًا يظلل بأحلام مثالية ، حيث تنام الرؤية الوردية على وسائد الأمل ، لكن تلك الوسائد باتت مبللة بدموع الفقد.

غياب الموضوع عن الشاشات هو بمثابة غياب الصوت عن الجسد.

ينتظر سكان غزة من العالم الخارجي أن يُعيد لهم صوتهم ، أن يضيء على    قصصهم ، أن يُشعرهم بأنهم جزء من إنسانية هذا  الكوكب.

 فعندما تختفي أدوات الكتابة والتعاطف ، يصبح الصمت نذيرا لخطر أكبر، وهو خطر النسيان.

إن المسؤولية تقع على عاتقنا جميعًا ، إن كنا كتابًا أو مواطنين عاديين ، أن نلتقط تلك القصص أن نناقش المعاناة ، أن تظهر للعالم صورة جلية عن غزة كمدينة وكإنسان لا كمسرح للمعاناة وحدها.

 علينا أن نبقي شعلة الأمل مضاءة ، وأن نكون صوتًا حرا لمن عجزوا عن النطق، وأن نعلن للعالم أن غزة ليست وحدها ، وأن تواجه صمت القلوب بالعزائم الصادقة.

لنتحد كأفراد يقدّرون قيمة الإنسانية ، ولنجعل من كل حادثة في غزة قصة تُروى، ومن كل دمعة في عيون سكانها بلاغا  يتردد صداه في اي مكان من العالم  لا تتركوا غرة وحدها ، فهي في أمس الحاجة إلى حروفكم ، إلى دعمكم ، وإلى إنسانيتكم.

لا تتركوا غزة وحدها ، فهي تحتضر  وتحتضن في أحشائها الكثير من الحكايات التي تستحق أن تُروى.

 في كل زاوية من زواياها ، يحمل الناس تجارب فريدة ولمحات من الصمود ، رغم قسوة الظروف.

عائلات بأسرها تجتمع حول الركام تفترش الارض وتلتحف السماء بألبسة رثه ممزقة ، تتقاسم معا الجوع والعطش والموت ، ورغم شح الأمن والتعاطف والرحمة والرفق بحالهم من جيرانهم وأشقائهم ، تستحضر البسمة على الوجوه لتكون سلاحهم في وجه المحن والقطرسة والجبروت.

وعندما يشتد القصف تتعالى أصوات الأطفال بين ركام المنازل يخرجون للعب في الشوارع التي باتت تتنفس الخوف والموت المباغتة هم يحملون أحلاماً يرسمونها بألوان الطفولة البريئة ، ونقوشاً من الأمل غير المبالي بفصول القهر التي يعيشونها.

إنهم يمثلون الجيل الذي يجب أن نكرس له الجهود ، لنؤمن لهم مستقبلاً يُعبر عن آمالهم وطموحاتهم ، بعيدًا عن جحيم الواقع الذي ما زال يطاردهم.

وللاسف لم نحقق لهم ذلك كعرب ومسلمين.. إن غياب غزة عن شاشات وسائل الإعلام هو تجسيد للانفصال بين العواطف البشرية والمعاناة التي تعانيها بلا رحمة.

الأمة بحاجة إلى صحوة ضمير جماعي ، إذ لا يتعين علينا المزيد من انتظار الأحداث المأساوية الجديدة وهذا ما يحدث وما نراه كل يوم ، فهل باتت الضمائر لا تعير إهتماما لأزمتها.

 يجب أن نعيد قلب الصفحات المليئة بالأمل ، ونرفع أصواتنا عاليا لجعل القضية الفلسطينية جزءاً من النقاشات العالمية باستمرار.

وهنا تبرز أهمية المنصات التكنولوجية الجديدة ، حيث يمكن لصوت الفرد أن يُحدث فرقًا.

فبفضل الشبكات الاجتماعية والمدونات ، يمكن لكل منا أن يصبح سفيرا للقضية، يشارك القصة الحقيقية لجعل معاناة غزة حاضرة في وعي الجمهور.

 فلنجعل من كل منشور وكل صورة وسيلة لجذب الأنظار، لنذكر العالم بأن خلف كل خبر عن القتل والدمار هناك إنسان يعيش ويحلم ، ويستحق الحياة.

وفي ظل هذه الظروف الصعبة ، يجب أن نتجمع معًا كمجتمع إنساني واحد ، شريطة أن لا ترفع  الرايات الوطنية على حساب المعاناة الإنسانية.

 فالألم لا يعرف الحدود ، ولا الفرح أيضًا ، لذا يجب أن نعمل على نشر الأمل ، لنكسر دائرة الصمت التي تحيط بغزة ولنجعلها محور حديثنا اليومي.

لا تنسوا أن تعبيركم عن التضامن هو أحد أقوى الأدوات التي نملكها ، ابعثوا رسائل الدعم اكتبوا المقالات نظموا الفعاليات وشاركوا قصص الأمل.

 لا تدعوا غزة تُنسى في خضم ما يحدث بين إيران والمحتل ، بل اجعلوها جزءًا من نسيج حياتكم اليومية.

 وبهذه الطريقة ، نؤكد معًا على أننا جميعًا نعيش تحت سماء واحدة ، وأن معاناة الآخرين لا يمكن أن تعتبر حدثًا عابرًا في أخبار اليوم.

 إن التعاطي مع القضايا الإنسانية من منطلق العدل والرحمة هو ما يعبر عن إنسانيتنا الحقيقية ، فلكل واحد منا القدرة على إحداث فرق مهما كانت المسافة أو الحدود الفاصلة.

علينا أن ندرك أن غزة ليست مجرد مکان بل هي رمز لأمتنا العربية والإسلامية وللإنسانية جمعاء، وللصمود أيضا والإرادة ، تجسد في وجوه أطفالها البراءة والشفافية في أحلك الظروف هؤلاء الأطفال الذين يكتبون أملهم باللونين الأبيض والأسود في زوايا شوارعهم المليئة بالدمار، هم مثال حي على أن الحياة تستمر رغم كل الصعوبات.

ينبغي على الجميع بذل المزيد من الجهود لنكن صوتًا لهؤلاء الأطفال ، نسعى من خلال كتاباتنا وأفعالنا إلى نقل رسائلهم إلى العالم أجمع.

إن المشاركة الفعالة في دعم غزة تتطلب منا استراتيجيات متعددة ، من خلالها يمكننا توصيل المعلومات الدقيقة المدعومة بالحقائق والأرقام ، عن الحالة الإنسانية والاقتصادية المزرية هناك ، لتسليط الضوء على واقع الأمر بعيدا عن الصورة النمطية التي تسود في بعض الأحيان.

التعليم ، التوعية ، والدعوة للعدالة ، هما السبيل لنجدد حيويتنا الجماعية ونخلق تمثيلاً حقيقياً الخاص بمعاناة غزة.

وللاسف هناك بعض الاقلام المأجورة عربيا تحاول الطمس والتعتيم وتظليل الشعوب المغيبة أصلا .

في النهاية ، يعد كل فعل بسيط بمثابة صرخة في وجه الظلم.. لا تتهاونوا في التعبير عن تعاطفكم سواء من خلال كلمات بسيطة أو دعم مادي أو معنوي ، كل جهد يحدث أثرًا ، وكل صوت يُسهم في كسر جدار الصمت.

 إن تضافرت الجهود ، وتجمعت الأصوات سنتمكن من تخطي حدود الألم ، وتحقيق العدالة التي تستحقها غزة.

لذا، دعونا نحيي القضية الفلسطينية في قلوبنا وأذهاننا كل يوم ، ولنجعل غزة حاضرة في قصصنا وبين صفحاتنا وداخل بيوتنا وخارجها ، لا تتركوا غزة لوحدها، فهي بحاجة إلى كل منا ، علينا جميعًا أن نكون جزءًا من حلها ، نضيء لها الطريق في ظلام المحن ، ونحمل على أكتافنا مسؤولية أن نكون حراسا للإنسانية لنستمر في الإهتمام بها وبمعاناتها ، والدعوة؛ فكل كلمة يمكن أن تكون بمثابة طوق النجاة لمن ينتظرون الأمل. تحياتي.