
في غمرة انشغال المرحوم المختار ولد داداه بتأسيس عاصمته الجديدة ، قرر مختار آخر أن يغادر نواحي المذرذرة ليسكن في العاصمة الجديدة ، لكن المختار ولد الميداح رحمه الله لم يغادر مراتع صباه على عجل، بل حمل معه كنوز الكبلة وتلائدها مما تنوء بحمله صدور الرجال ، فكما استنسخ عبد الرحمن الداخل رصافة جده هشام بن عبد الملك وحولها من الشام إلى قرطبة، فإن المختار ولد الميداح قد جعل من منزله الجديد في نواكشوط متحفا يحافظ على مكارم الأخلاق وروائع الموسيقى وأمهات الأدب الحساني في الكبلة عموما، وفي إيكدي خصوصا و في هذا المنزل المتحف تربت المعلومة .
مثلما كان المختار ولد داداه حريصا على ربط عاصمته الجديدة بالعالم، كان المختار ولد الميداح كذلك منفتحا على العالم ، جادا في تعليم أبنائه تعليما حديثا ، ومهتما بربطهم بالعالم الحديث من خلال الوسائل المتاحة وقتها مثل الصحف والراديو ، هنالك استمعت المعلومة عبر راديو المختار لأم كلثوم وعبد الوهاب وأسمهان، وقبلهم سيد درويش، وبعد ذلك فيروز وعبد الحليم، بالإضافة إلى روائع الموسيقى العالمية .
في تلك الأجواء تعرفت المعلومة على البلوز والجاز، واقتنت غيتارها الأول، لكنها لم تتنكر لآردينها الأصيل الذي ظل وفيا لوتر الكبلة ولنغم الأمهات والعمات والخالات !
وقبل أن تتحرش السياسة بالفن و تُحاصر المعلومة فقد اهتزت المسارح في قرطاج وطرابلس وبغداد والدار البيضاء على وقع أغانيها ، وكتب عنها النقاد في باريس وبيروت، وبكى السود في أمريكا على بعض أنغامها التي بدت كأنها الجاز الذي غنته جداتهم في إفريقيا حزنا على أولادهم.
في تلك الحقبة صارت الفنانة الشابة خير سفيرة لموريتانيا ، وساهمت في إزالة الصورة النمطية التي ما فتئ الإعلام الغربي عموما والفرنسي خصوصا يرسمها في أعين العالم عن شعب بدوي فقير يركب الحمير، فتعرف العالم علينا من خلال شدو المعلومة .
أما في الداخل، فقد سعت المعلومة بكل جهد إلى أن يحتفظ الفنان الموريتاني بسلطته الأخلاقية التي منحها له المجتمع كي يُشيع قيم النبل والكرم والفروسية والشجاعة و أرادت للفن أن يبقى ضميرا لا سوقا، ورسالة لا طلبا كما حاولت المعلومة التصدي لعادة رمي الأموال على الفنان، بل ذهبت لأكثر من ذلك إلى محاولة نقل التهيدين والرسم من الممارسات اليومية إلى متحف الفن من خلال رسمها للوحَتها الناطقة اركب باز البزان.
وجاءت ديمقراطية الرئيس السابق معاوية، فأعطت المعلومة درسا للعالم في طريقة ممارسة الفنان للسياسة، ودفعت ثمن ذلك سجنا وضربا ومحاصرة، لكنها ظلت صامدة ، تغني بسمو لجراحات نفوس المعارضين والمهمشين والمغبونين ، ثم دخلت مجلس الشيوخ لتكسر تابوا مجتمعيا وحصارا خفيا كان على الفنانين، و كان يليق بها مثلما كانت تليق به.
الآن رغم عدم تخندقها السياسي إلا أن طبيعتها الثورية وحبها لوطنها جعلاها تطلق نداء تحذيريا من سوء مآلات الفساد والغبن والتهميش.
فهل نستمع للمعلومة قبل أن يصمنا ضجيج السياسة وضياع الفن؟
بقلم: بابه يعقوب أربيه
مهندس وكاتب

.jpeg)
.jpeg)


.gif)
