سياقات صورة الجنرال

سبت, 22/11/2025 - 18:11

نجح الجنرال المتقاعد مسغارو ولد اغويري - أو نجح من التقط صورته كما يحلو لمقربيه أن يقدموا الأمر - في لفت انتباه الرأي العام بشكل قوي بالصورة التي نشرت البارحة. 

يعود ذلك لأسباب، منها السياق السياسي ومنها خصوصية المزور وموقفه السياسي الراهن وتوقيت الزيارة الذي قد يفهم منه التضامن مع رجل معارض خارج من السجن.

فالسياق الزمني  لزيارة مسغارو يأتي بعد أسبوع من حديث غزواني عن حظر الحديث عن  الترشح لانتخابات 2029، ضمن رسائل زيارة الحوض الشرقي التي جاءت قوية، خاصة في  حديثه عن الفساد والقبلية والحوار، ولاقت مضامينها اهتماما واستحسانا من الرأي العام، واعتبر كثيرون أنها مثلت أبرز "استعراض" إعلامي وسياسي لغزواني منذ إعلان ترشحه منتصف 2019. 

 وعكس ما تصور البعض وأراد غزواني من زيارته للحوض الشرقي تحركت دوائر مختلفة من الاغلبية وتجندت بعض الأقلام لكسر ترند رسائل الزيارة وكتم أصدائها والحد من ارتداداتها، بل وتحوير دلالاتها وإعادة توجيهها.. وأبرز دليل على ذلك أن الجهاز السياسي للنظام ممثلا في الحزب الحاكم واكب رسائل غزواني المختلفة بمساعي اختزال وتمييع وحجب أحيانا، وقد كان لافتا تتبعه لكل الرسائل ببيانات تقول: لا يقصد الرئيس، لم يقصد الرئيس.. واستمر الأمر حتى يوم أمس فقد أصدر مجلس الوزراء بيانا عدد فيه رسائل الزيارة حول  الحوار والفساد والقبلية وتمجيد قوى الامن والمدرسين، وبعد ذلك بساعة جاء بيان الحزب الحاكم الذي اكتفى بتثمين رسائل الزيارة دون أن يورد عنوانا أو فكرة عن أي منها، في خطوة تزيد من ارتباك المشهد داخل الأغلبية ومصادرة الأداة السياسية للنظام لخطابات الرئيس. 
وفي خطوة أكثر غرابة اختار الحزب لشرح رسائل الرئيس عن الفساد على القنوات الرسمية أشخاصا أثبت التفتيش ضلوع بعضهم في الاختلالات المالية. 

في هذا السياق جاءت صورة الجنرال مسغارو لتكمل مهمة الحزب الحاكم في صرف الاهتمام عن الزيارة وطمس ألقها الإعلامي. فأعطت الصورة التي بدت غير مألوفة (رجل أمن يزور سجينا سياسيا مفرجا عنه) انطباعا ليس فقط عن اهتمام مبكر  بالترشح، بما يخالف توجيهات الرئيس في تمبدغة، بل رسالة أقوى للمتلقي، الذي يرى أن العلاقات الشخصية الحقة هي تلك التي تبقى خارج إطار الصور المنشورة، مفادها: لا نرفض التوجيهات فحسب بل ليس لدينا مانع من العبور إلى الضفة الاخرى.
 
التفسيرات والتبريرات التي قدمت حول الصورة أفقدت صاحبها إيجابياتها المفترضة ولم تجنبه سلبياتها، فالاعتذار بالعلاقات الشخصية أضر بصورة الرجل وحرمه الاستفادة من شجاعة الموقف ولن يقنع النظام بسلامة القصد. 
الاعتذار اللاحق عن الصورة وإن لم يصدر بشكل مباشر يشبه إلى حد كبير رفض رئيس المحكمة العليا الأسبق ولد الغيلاني إقالته من طرف عزيز صباحا والضجة والترحيب الذي قوبلت به صباحا وخيبة المرحبين في المساء حين اكتفى صاحبها بالتواري عن الأنظار. 

و من الغريب أن علاقات مسغارو التاريخية بولد محمد خونه لم تشفع للأخير أيام كان مسغارو مديرا للأمن الوطني حين استدعي ولد محمد خونه وهو في طريقه للحوض وبات ليلة كاملة في شتاء تغيرين على الشارع ممنوعا من دخول نواكشوط؛ لكنها استيقظت وأعلن  عنها للجمهور من خلال هذه الصورة.

إن وفود المعارضة التي تتالت بعد زيارة الجنرال لصديقه التاريخيّ تؤكد الدلالات التضامنية للزيارات، وهو ما لا يخفى على قائد أمن كانت عيونه تحرس أبواب السياسين المفرج عنهم لتسجيل كل داخل وخارج والتقاط كل كلمة. 

نجح مسغارو في لفت الانتباه إليه وفي تسجيل اسمه في قائمة المرشحين لاستحقاقات 2029. هذا إن لم يكن الهدف من الزيارة أمرا آخر لم يعلن بعد ولم يكتشف، له صلة بموقف الجنرال وعلاقته بالنظام.