حديث مع الوطن

جمعة, 28/11/2025 - 10:00

هاهي موريتانيا في عيدها الخامس والستين، تقف كما تقف الأمهات عند مفترق الأسئلة الكبرى، تنظر في وجوه أبنائها ثم تتسائل  في سرّها:عن أيّ طريقٍ سيختارون ؟  هل سيمضون مردّدين ما قاله طرفة، كأنما يعيدون صدى قديمًا ظلّ معلقًا في هواء الفجيعة:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة  :: على النفس من وقع الحسام المهند
ثم يلوذون بطرقات العالم، من حائط المكسيك المائل ، إلى مقاهي بروكسيل التي تسكنها برودة الوحدة، أو إلى أدغال إفريقيا حيث لا تحدّ الغربة سوى غربة أوسع.
لكن موريتانيا، بأمومتها التي لا تنطفئ، ترفع رأسها قليلًا وترسم لنفسها صورة أخرى. تراهم يتكئون على قول الشاعر:
بلادي وإن جارت علي عزيزة :: وأهلي وإن ضنوا علي كرام
يبقون فيها، يحدّقون في عمرٍ يتقدّم كما يتقدّم الشيب إلى الرأس، ينتظرون على أرصفة البطالة كمن ينتظر سفينة لا تأتي، يمسكون شهاداتهم وقد غدت برائحة المخطوطات العتيقة، ويحاولون طرق أبواب العمل الحرّ فتغلقها شهية التجار، وسطوة الاحتكار، وبخل الممولين. وإن رضوا بما يسقط من موائد أصحاب المال والجاه، وجدوا السياسيين يناورون، يناقضون، ويمدّون خيوط اللعبة حتى آخر نفس من كرامتهم المنهكة.
وفي ذكرى الاستقلال أيضًا، قد تهبّ على الذاكرة صورة أولئك الشباب: أهل الكفاءة الذين يضيؤون الإدارات بنشاطهم ثم يذبلون على رواتب هزيلة لا تقوى على مجاراة تكاليف يوم واحد.
 يتساءل الوطن: سيغادرون؟ أتعلو أصواتهم نشيجًا ببيت الشاعر : 
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ::  ليوم كريهة وسداد ثغري
أم يلجؤون إلى حكمة زهير، يرددونها بصلابة وهدوء:
ومن يكن ذا فضل ويبخل بفضله :: على قومه يستغن عنه ويذمم
هكذا، بين رجاء أمّ ووجع أبناء، تقف موريتانيا في عيدها الخامس والستين؛ لا تبكي، ولا تطلب الكثير، بل تتمنى فقط أن ترى أبناءها كما حلمت بهم: أعمدة لا تنكسر، وأملًا لا ينطفئ، وقلوبًا تعرف أن الوطن مهما ضاق، يبقى أوسع من الغربة، وأقرب من كل أرضٍ أخرى.
#مأمورية_شباب_سعيدة 
بقلم بابه يعقوب أربيه