عشية الانتخابات البلدية والجهوية والنيابية يتأكد تمادي السلطة القائمة في سياستها المتمثلة في التسيير المنفرد لكامل المسار الانتخابي وهيمنتها عليه، فعلى الرغم من المطالبات المتكررة بتنظيم انتخابات حرة، ديمقراطية وشفافة التي تقدمت بها المعارضة الديمقراطية، يواصل النظام إحكام قبضته على كل مفاصل وآليات العملية الانتخابية، وخاصة اللجنة "المستقلة" للانتخابات، ومرفق القضاء والملف الانتخابي (اللوائح الانتخابية).
وما ان تشكلت اللجنة "المستقلة" للانتخابات، حتى كشفت السلطة عن نواياها في تسخيرها وتطويعها والتحكم في عملها فخرقت بذا بصورة سافرة القانون الذي يفرض أن يتم اختيار هذه اللجنة بصورة توافقية بين أحزاب السلطة وأحزاب المعارضة، ولا احد يجادل في ان التشكيلة الحالية للهيئآت القيادية للجنة تظهر بجلاء أنها لا هي بالمستقلة ولا هي بالمؤهلة للاضطلاع بالدور المنوط بها، فأعضاؤها قد تم اختيارهم على أساس القرابة والعلاقات الأسرية المباشرة والانتماء الطائفي، كما ان جهازها الإداري والفني تم تشكيله هو الآخر بناء على نفس الاعتبارات والمعايير، مع إعطاء السبق لأعوان تنفيذيين معروفين بماضيهم الطويل كموظفين خاضعين لسلطة وزارة الداخلية وملحقاتها، كل ذلك على حساب مبدأ الحياد الذي يجب ان يقود عملهم.
ليس من الغريب، والحالة هذه، أن يكون أول قرار تتخذه هذه اللجنة هو دخولها في لعبة مريبة لصالح بعض الأحزاب وذلك بنشرها بيانا خارقا في شكله ومضمونه للقانون، تأمر فيه بتمديد المهلة المحددة لتقديم الترشحات، وتسمح فيه بالتسجيل عن بعد على اللوائح الانتخابية من المثير حقا هذه السرعة الفائقة التي تم بها "تعليق" العمل بهذا البيان من طرف المحكمة العليا بقرار جاء، تحت الطلب والتأثير المباشر للوزير الأول.
ولا يعادل هذه السرعة المريبة سوى التباطؤ الغريب في معالجة الطعن، الذي لا يزال حتى الآن منظورا أمام نفس المحكمة، وهو الطعن الذي تقدمت به بعض أحزاب المعارضة حول عدم الشرعية الصارخ لتركيبة اللجنة المستقلة للانتخابات.
وهكذا، فإن التحكم في مرفق القضاء واستخدامه يظل، أكثر من أي وقت مضى، هو المعمول به على ارض الواقع وكما يبدو جليا فإن هذا القرار، الذي جاء بلا تسبيب، والذي خرق مبدأ الحضورية، صدر عن المحكمة العليا للاستجابة لمآرب النظام. وإضافة إلى الهشاشة المترتبة على ما قضى به من مجرد التعليق (وليس الإلغاء)، بالنسبة للمسار الانتخابي برمته، فإن هذا القرار الصادر عن المحكمة العليا قد تم تطبيقه بصورة انتقائية.
ذلك أنه، على الرغم من أنه، على علاته، يقضي بأن "محتوى البيان" قد تم "تعليقه" بشقيه، فإن لجنة الانتخابات ماضية في تطبيق إذنها بالتسجيل عن بعد ! وفعلا، فإن اللجنة، بهذا التصرف تخرق نص القانون الآمر بأن أي شخص لا يحق له التسجيل على اللائحة الانتخابية في بلدية دون توفر شروط حددها القانون.
ومن جهة أخرى، فإن أحد الرهانات الأساسية لكل انتخاب، وخاصة بالنسبة لبلدنا، يكمن في مصداقية الملف الانتخابي (أي في سلامة اللوائح الانتخابية إعدادا ومضمونا) وذلك هو ما جعل القانون يحفه بالكثير من الاحتياطات لضمان صحته وسلامته، وخاصة فيما يتعلق بظروف التسجيل على اللوائح الانتخابية، وعلاقة هذه الأخيرة بالملف الانتخابي. وينص القانون على أن الملف الانتخابي يكون وطنيا ووحيدا. وتجب مراجعته سنويا، أو عند كل استحقاق انتخابي (عمليات الإحصاء الإداري ذي الطابع الانتخابي). ودائما حسب القانون، فإن ذلك من أجل "ضمان إمكانية تتبع ماضي تسجيل الناخبين، وخاصة المعلومات المتعلقة بتغيير محل الإقامة". إن آخر مراجعة لهذا الملف كانت بمناسبة الاستفتاء المزيف الأخير. واليوم يجد البلد نفسه فجأة بدون ملف انتخابي أساسي تجري على أساسه بعد التعديل الانتخابات الحالية وذلك، بفعل مرسوم يحمل الرقم 101/2018 صادر في مايو 2018 فاقد للشرعية لخرقه الأمر القانوني 87|289، الذي هو أعلى منه في تراتبية النصوص، والمفارقة هي أن هذا المرسوم يستند في معتمده على الأمر القانوني المذكور الذي يعارضه ويتجاوز مضمونه.
إن الكافة مدعوون للتسجيل من جديد، كما لو كان ذلك لأول مرة ! وها هو ملف انتخابي لا يعلم أحد، حقيقة، مما ذا يتكون ولا من أي شيء سيكون مآله، لأنه أعد للمناسبة الحالية فقط، ولأغراض فاقدة للصدقية والشفافية!
وعلى كل حال فإن تداخل هذا التسجيل على ملف انتخابي فاقد للشرعية مع الطريقة التي لا تقل عدم شرعية والمتمثلة في التسجيل عن بعد، يفتح الباب على مصراعيه أمام تحكم السلطة القائمة في التصويت.
لهذه الأسباب مجتمعة، فإن كافة القوى الديمقراطية والوطنية لتفرض دون توان:
- حل هذه اللجنة "المستقلة" للانتخابات المأمورة، وإعادة تشكيلها بصورة توافقية بمشاركة كل المعارضة، وعزل الأعوان الذين يثبت انحيازهم أو عدم نزاهتهم.
- الإلغاء الفوري للمرسوم 2018|101 الفاقد للشرعية.
- إعادة تأهيل الملف الانتخابي وتحيينه طبقا للقانون، وإخضاعه لتدقيق موضوعي، نزيه ومستقل.
نواكشوط، 19 يوليو 201